الكلام على الواقفة
وأما الذی یدل على فساد مذهب الواقفة الذین وقفوا فی إمامة أبی الحسن موسى علیه السلام وقالوا: " إنه المهدی " فقولهم باطل بما ظهر من موته علیه السلام، واشتهر واستفاض، كما اشتهر موت أبیه وجده ومن تقدم من آبائه علیهم السلام.
ولو شككنا لم ننفصل من الناووسیة والكیسانیة والغلاة والمفوضة الذین خالفوا فی موت من تقدم من آبائه علیهم السلام.
على أن موته اشتهر ما لم یشتهر موت أحد من آبائه علیهم السلام، لانه أظهر وأحضر (1) والقضاة والشهود.
ونودی علیه ببغداد على الجسر وقیل: " هذا الذی تزعم الرافضة أنه حی لا یموت مات حتف أنفه " وما جرى هذا المجرى لا یمكن الخلاف فیه.(2)
2 - فروى یونس بن عبدالرحمن قال: حضر الحسین بن علی الرواسی جنازة أبی إبراهیم علیه السلام.
فما وضع على شفیر القبر، إذا رسول من سندی بن شاهك قد أتى أبا المض (3) خلیفته - وكان مع الجنازة - أن أكشف وجهه للناس قبل أن تدفنه حتى یروه صحیحا لم یحدث به حدث.
قال: وكشف عن وجه مولای حتى رأیته وعرفته، ثم غطی وجهه وأدخل قبره صلى الله علیه.(4)
3 - وروى محمد بن عیسى بن عبید العبیدی قال: أخبرتنی رحیم (5) أم ولد الحسین بن علی بن یقطین - وكانت امرأة حرة فاضلة قد حجت نیفا وعشرین حجة - عن سعید مولى أبی الحسن علیه السلام - وكان یخدمه فی الحبس ویختلف فی حوائجه - أنه حضره حین مات كما یموت الناس من قوة إلى ضعف إلى أن قضى علیه السلام.(6)
4 - وروى محمد بن خالد البرقى، عن محمد بن عباد (7) المهلبی قال: لما حبس هارون الرشید أبا إبراهیم موسى علیه السلام وأظهر الدلائل والمعجزات وهو فی الحبس تحیر الرشید، فدعا یحیى بن خالد البرمكی (
فقال له: یا أبا علی أما ترى ما نحن فیه من هذه العجائب، ألا تدبر فی أمر هذا الرجل تدبیرا یریحنا من غمه؟ فقال له يحيى بن خالد البرمكى: الذی أراه لك یا أمیر المؤمنین أن تمنن علیه وتصل (9) رحمه، فقد - والله - أفسد علینا قلوب شعیتنا.وكان یحیى یتولاه، وهارون لا یعلم ذلك.
فقال هارون: انطلق إلیه وأطلق عنه الحدید، وأبلغه عنی السلام، وقل له: یقول لك ابن عمك: إنه قد سبق منی فیك یمین أنی لا أخلیك حتى تقر لی بالاساءة، وتسألنی العفو عما سلف منك، ولیس علیك فی إقرارك عار، ولا فی مسألتك إیای منقصة.
وهذا يحيى بن خالد (هو) (10) ثقتي ووزيرى، وصاحب أمرى، فسله بقدر ما أخرج من یمینی وانصرف راشد.(11)
5 - قال محمد بن عباد (12): فأخبرنی موسى بن یحیى بن خالد: أن أبا إبراهیم علیه السلام قال لیحیى: یا أبا علی أنا میت، وإنما بقی من أجلی أسبوع، أكتم موتی وائتنی یوم الجمعة عند الزوال، وصل علی أنت وأولیائی فرادى، وانظر إذا سار هذا الطاغیة إلى الرقة، وعاد إلى العراق لا یراك ولا تراه لنفسك، فإنی رأیت فی نجمك ونجم ولدك ونجمه أنه یأتی علیكم فاحذروه.
ثم قال: يا أبا علي أبلغه عنى: یقول لك موسى بن جعفر: رسولی یأتیك یوم الجمعة فیخبرك بما ترى، وستعلم غدا إذا جاثیتك بین یدی الله من الظالم والمعتدی على صاحبه، والسلام.
فخرج یحیى من عنده، واحمرت عیناه من البكاء حتى دخل على هارون فأخبره بقصته وما رد علیه، فقال (له) (13) هارون: إن لم یدع النبوة بعد أیام فما أحسن حالنا.
فلما كان یوم الجمعة توفی أبوإبراهیم علیه السلام، وقد خرج هارون إلى المدائن قبل ذلك، فأخرج إلى الناس حتى نظروا إلیه، ثم دفن علیه السلام ورجع الناس، فافترقوا فرقتین: فرقة تقول: مات، وفرقة تقول: لم یمت (14).(15)
6 - وأخبرنا أحمد بن عبدون (16) سماعا وقراءة علیه قال: أخبرنا أبوالفرج علی بن الحسین الاصبهانی (17)، قال: حدثنی أحمد بن عبیدالله بن عمار (18) قال: حدثنا علی بن محمد النوفلی (19)، عن أبیه.
قال الاصبهانى: وحدثنی أحمد بن محمد بن سعید قال: حدثنی یحیى بن الحسن العلوی (20)، وحدثنی غیرهما ببعض قصته، وجمعت ذلك بعضه إلى بعض قالوا: كان السبب فی أخذ موسى بن جعفر علیهما السلام أن الرشید جعل ابنه فی حجر جعفر بن محمد بن الاشعث، فحسده یحیى بن خالد البرمكی وقال: إن أفضت الخلافة إليه زالت دولتي ودولة ولدى.
فاحتال على جعفر بن محمد - وكان یقول بالامامة - حتى داخله وأنس إلیه.
وكان یكثر غشیانه فی منزله، فیقف على أمره، فیرفعه إلى الرشید ویزید علیه بما یقدح فی قلبه.
ثم قال یوما لبعض ثقاته: تعرفون (21) لی رجلا من آل أبی طالب لیس بواسع الحال یعرفنی ما أحتاج (إلیه) (22)؟ فدل على علی بن إسماعیل بن جعفر بن محمد، فحمل إلیه (یحیى بن خالد مالا).(23)
وكان موسى علیه السلام یأنس إلیه ویصله، وربما أفضى إلیه بأسراره كلها.
فكتب لیشخص به، فأحسن موسى علیه السلام بذلك فدعاه فقال: إلى أين يا بن أخى؟.
قال: إلى بغداد.
قال: ما تصنع؟ قال: علی دین أنا مملق.(24)
قال: فانا أقضی دینك وأفعل بك واصنع.
فلم یلتفت إلى ذلك.
فقال له: أنظر يا بن أخى، لا تؤتم أولادى.
وأمر له بثلثمائة دینار وأربعة آلاف درهم.
فلما قام من بین یدیه، قال أبوالحسن موسى علیه السلام لمن حضره.والله ليسعين (25) في دمى، ويؤتمن أولادى.
فقالوا له: جعلنا الله فداك، فأنت تعلم هذا من حاله وتعطیه وتصله؟ ! فقال لهم: نعم، حدثني أبى، عن آبائه، عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم " إن الرحم إذا قطعت فوصلت قطعها الله ".
فخرج علی بن إسماعیل حتى أتى إلى یحیى بن خالد فتعرف منه خبر موسى بن جعفر علیه السلام ورفعه إلى الرشید، وزاد علیه وقال له: إن الاموال تحمل إلیه من المشرق (26) والمغرب، وإن له بیوت أموال، وإنه اشترى ضیعة بثلاثین ألف دینار فسماها " الیسیرة " وقال (له) (27) صاحبها وقد أحضر المال.
لا آخذ هذا النقد، ولا آخذ إلا نقد كذ.(28)
-------------------------------
(1)فی الاصل ونسختی " ف، م " واحضر.
(2)عنه البحار: 48 / 250 ح 1 وج 51 / 180 والعوالم: 21 / 508 ح 9.
(3)فی الاصل ونسخة " ح " بأبی المضا.
(4)عنه البحار: 48 / 229 ح 35 والعوالم: 21 / 461 ح 4.
(5)فی نسخة " ف " رحیمة.
(6)عنه البحار: 48 / 230 ح 36 والعوالم: 21 / 459 ح 2.
(7)فی نسخة " ف " عباد (غیاث خ ل) وفی الاصل: غياث ولم نجد في كتب الرجال ترجمة لمحمد بن غياث المهلبى. بل الموجود فی تاریخ بغداد: 2 / 371 وسیر أعلام النبلاء: 10 / 189 والنجوم الزاهرة: 2 / 217 وأنساب السمعانى: 5 / 418 ورغبة الامل: 4 / 138 محمد بن عباد بن عباد بن حبیب بن المهلب بن أبی صفرة الازدی محدث البصرة، واختلفوا فی تاریخ وفاته بین: 214 و 216 و 223 وقال السمعانى: إن لمهلب بن أبی صفرة أمیر خراسان عشرة أولاد، إحداها المترجم له ولم یذكر منها محمد بن غیاث.
(
وهو مؤدب رشید العباسی ومعلمه ومربیه، ولد فی سنة 120 وتوفی سنة 190. راجع الاعلام للزركلی ووفیات الاعیان لابن خلكان وتاریخ بغداد وغیرها من كتب التراجم.
(9)فی الاصل ونسخة " ح " وتصل علیه رحمه.
(10)لیس فی نسخة " ف ".
(11)عنه البحار: 48 / 230 ح 37 والعوالم: 21 / 446 ح 3 وعن مناقب ابن شهر آشوب: 4 / 290 مختصرا. وأخرجه فی مدینة المعاجز: 462 ح 105 عن المناقب.
(12)فی نسخة " ف " عباد (غیاث خ ل).
(13)من نسخ " أ، ف، م ".
(14)أی فرقة تقول: مات حتف أنفه، وفرقة تقول: لم یمت بل قتل بالسم (اشیة طبع النجف).
(15)عنه إثبات الهداة: 3 / 184 ح 36. وصدره فی البحار: 81 / 382 ح 41 والوسائل: 2 / 811 ح 1. وفی البحار: 48 / 230 ذ ح 37 والعوالم: 21 / 446 ذ ح 3 عنه وعن مناقب ابن شهر آشوب: 4 / 290 مختصرا. وأخرجه فی مدینة المعاجز: 462 ذ ح 105 عن المناقب المذكور.
(16)قال النجاشى: أحمد بن عبدالواحد بن أحمد البزاز، أبو عبد الله شیخنا، المعروف بابن عبدون، وعده الشيخ في رجاله فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام وترحم عليه الشيخ في فهرسته في ترجمة عبد الله بن أبي زيد الانبارى.
(17) مقاتل الطالبیین: 333.
قال الشیخ فی الكنى: أبوالفرج الاصبهانی زیدی المذهب له كتاب الاغانی كبیر ومقاتل الطالبیین وغیرهما. وهو علي بن الحسين بن محمد القرشى، إصبهانی الاصل بغدادی المنشأ ولد فی سنة 284 وتوفی سنة 356. وقد نص على تشيعه أكثر من ترجم له كابن الاثير وابن شاكر والحر العاملي والخونسارى.
(18)أحمد بن عبیدالله بن عمار، أبوالعباس الثقفی الكاتب المعروف بحمار العزیر له مصنفات فی مقاتل الطالبیین وغیر ذلك وكان یتشیع. توفی أبوالعباس أحمد بن عبیدالله بن محمد بن عمار فی شهر ربیع الاول من سنة أربع عشرة وثلاثمائة (تاریخ بغداد: 4 / 252). وقال فی لسان المیزان: أنه من رؤوس الشیعة. وقال فی هدیة العارفین: أحمد بن عبيدالله بن محمد بن عماد أبوالعباس الثقفي البغدادى، توفی سنة 319، وذكر له كتبا منها: كتاب المبیضة فی أخبار آل أبی طالب علیهم السلام.
(19)عده الشیخ والبرقی فی رجالهما من أصحاب الهادی علیه السلام.
(20)عده الشیخ فی رجاله فیمن لم یرو عنهم علیهم السلام قائلا: يحيى بن الحسين (الحسن) العلوى، له كتاب نسب آل أبی طالب.ویأتی له ترجمة أیضا فی ح 68.وفی نسخ الاصل والبحار والعوالم: محمد بن الحسن العلوی ولم نجد له ترجمة فی كتب الرجال وما أثبتناه من مقاتل الطالبیین.
(21)فی البحار والعوالم: أتعرفون.
(22)من البحار والعوالم.
(23)لیس فی نسخ " أ، ف، م ".
(24)الاملاق: الافتقار.
(25)فی نسخ " أ، ف، م " لیسعن.
(26)فی الاصل ونسخة " ح " الشرق.
(27)من البحار ونسخة " ف " والعوالم.
(28)فی نسخ " أ، م، ف " كذا وكذا.